قال الدكتور محمد الجندي، نائب مركز بحوث التكنولوجيا بالجامعة البريطانية في مصر، إن الآباء والأجداد واجهوا الكثير من المخاطر والتهديدات بكل ما لديهم من إمكانيات للحفاظ على هذا الوطن، مشيرا إلى أننا نتعرض في هذا القرن المربك لنوع جديد من الغزو وهو “الغزو عن بعد”.
وقال الجندي – في كلمته أمام الندوة التثقيفية الحادية والثلاثين للقوات المسلحة بحضور الرئيس السيسي – إن التحول الجيوسياسي، عقب انهيار الاتحاد السوفيتي- كان له أثر بالغ في شكل الصراعات والحروب حيث تحول العالم من ثنائي القطب إلى أحادي القطب مع هيمنة للولايات المتحدة ومع ظهور أقطاب أخرى بدأت بعض الدول تستغل هذا التغير في زعزعة الأمن القومي لدول أخرى، مشددا على أن هذا التحول الجيوسياسي أدى إلى تطور أنواع الصراع من استخدام للجماعات المسلحة والإرهابيين إلى استهداف عمق المجتمعات والبحث عن نقاط ضعف في دول راسخة لاستهدافها من الداخل وهو ما يعرف بحروب الجيل الرابع.
وأوضح أن تطور أدوات العولمة وعلى رأسها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أدى إلى انحصار مركزية الدولة ومهد الطريق إلى سيطرة مؤسسات تقنية على السياسة والاقتصاد العالمي، حيث ساهم هذا الصراع في تطور الأدوات إلى ظهور مخاطر جديدة أطلق عليها “حروب الجيل الخامس”، وأطلق عليها آخرون “الصراعات الهجينة”، وهي استغلال نقاط الضعف التي تهدد المرتكزات الأساسية للدولة لإحداث تأثيرات عميقة من الناحية السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وأضاف أن البعض يعتقد أنه في أمان لأنه لم يكتب شيئا على مواقع التواصل الاجتماعي ويستخدم الرموز التعبيرية، لكن هناك برنامجا متواجدا على الشاشة يحلل حالتك النفسية والسلوكية عن طريق هذه الرموز التعبيرية.
وأوضح الجندي أن هذه الأجهزة التقنية الصغيرة يمكنها تتبع تحركات حتى لو أغلقت خدمات تحديد المواقع، ففي كل هاتف محمول يوجد ملف مخف يسجل أبراج شبكات المحمول التي يتصل بها هاتفك ومن هذه الأبراج يمكن تحديد خط سيرك دون تفعيل خدمات تحديد المواقع بل الأدهى من ذلك أن هذه المعلومات متاحة كمصدر مفتوح على الانترنت وتستخدم لكشف غموض الجرائم والقبض على المجرمين إلا إنها قد تستخدم أيضا ضدنا من قبل مطوري هذه البرمجيات .
وأشار إلى تطور مواقع التواصل الاجتماعي لقراءة أفكارك وفقا لميولك والمواقع التي ترتادها، لافتا إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي تستخدم في البروباجندا ونشر الأخبار المفبركة وهناك العديد من الأدوات التقنية التي تعمل تلقائيا على هذه المواقع لعمل حسابات وهمية يمكنها التفاعل مع المستخدم والتعليق على المنشورات ونشر وإشهار “الهاشتاج”.
وضرب الجندي مثالا على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في تضليل الرأي العام وهدم الدول وهو ما حدث في سوريا حيث كانت دولة مستقرة سياسيا واقتصاديا ولديها اكتفاء ذاتي في أشياء كثيرة لكن مع ظهور بعض الأحداث التي بدت في بدايتها بسيطة في إحدى المدن السورية، ظهرت دعوات للتظاهر على مواقع التواصل الاجتماعي تنادي للنزول للشوارع للاحتجاج السلمي لكن استغلتها بعض الدول اختطفت الأحداث وحولتها إلى أحداث عنف، ثم استغلها الإرهابيون وصنعوا الكثير من “الهاشتاج” على مواقع التواصل الاجتماعي التي تحض على العنف وخلق حالة من الفوضى والإرهاب والقتل والدمار، إلى أن تمكن الإرهاب من الدولة وأصبحت ركاما وسار مصيرها في أيدي دول أخرى .
وأشار إلى مثل آخر للهاشتاج الذي انتشر مؤخرا في مصر لتضليل الرأي العام في مصر لخلق مناخ معاد للدولة باستخدام أدوات خاصة تبين أن نسبة 17% منه منشورات أساسية خرجت من حسابات لأناس محسوبين على تيارات معادية للدولة، لكن الأهم أن نسبة 81% من هذه المنشورات هي عملية إعادة نشر عن طريق حسابات مزيفة للهاشتاج.
وأكد الجندي أن تطور التكنولوجيا سيسبب تحديا كبيرا على مستوى الأمن القومي، ما الذي سيحدث إذا استطاع الذكاء الاصطناعي تزييف فيديو بالصوت لزعيم سياسي أو شخصية عامة واستخدمه في تضليل الرأي العام، فستكون النتائج كارثية، مشددا على أنه لا يمكن هزيمة التكنولوجيا بدون معرفة كيفية استخدامها عن طريق تأهيل كوادر احترافية، بالإضافة إلى الحاجة إلى تطوير أنظمة خاصة بجمع المعلومات من المصادر المفتوحة وعلى رأسها الإنترنت وتشجيع البحث العلمي في هذا المجال .